سورة لقمان - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{الم تِلْكَ ءايات الكتاب الحكيم} سبق بيانه في (يونس).
{هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ} حالان من الآيات والعامل فيهما معنى الإِشارة، ورفعهما حمزة على الخبر بعد الخبر أو الخبر لمحذوف.
{الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُم بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ} بيان لإِحسانهم أو تخصيص لهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها وتكرير الضمير للتوكيد ولما حيل بينه وبين خبره.
{أولئك على هُدًى مّن رَّبّهِمْ وأولئك هُمُ المفلحون} لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح.
{وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِى لَهْوَ الحديث} ما يلهي عما يعني كالأحاديث التي لا أصل لها والأساطير التي لا اعتبار بها والمضاحك وفضول الكلام، والإِضافة بمعنى من وهي تبينية إن أراد بالحديث المنكر وتبعيضية إن أراد به الأعم منه. وقيل نزلت في النضر بن الحارث اشترى كتب الأعاجم وكان يحدث بها قريشاً ويقول: إن كان محمد يحدثكم بحديث عاد وثمود فأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار والأكاسرة. وقيل كان يشتري القيان ويحملهن على معاشرة من أراد الإِسلام ومنعه عنه. {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} دينه أو قراءة كتابه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء بمعنى ليثبت على ضلاله ويزيد فيه. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} بحال ما يشتريه أو بالتجارة حيث استبدل اللهو بقراءة القرآن. {وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} ويتخذ السبيل سخرية، وقد نصبه حمزة والكسائي ويعقوب وحفص عطفاً على {لِيُضِلَّ}. {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} لإِهانتهم الحق باستئثار الباطل عليه.
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِ ءاياتنا ولى مُسْتَكْبِراً} متكبراً لا يعبأ بها. {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} مشابهاً حاله حال من لم يسمعها. {كَأَنَّ فِى أُذُنَيْهِ وَقْراً} مشابهاً من في أذنيه ثقل لا يقدر أن يسمع، والأولى حال من المستكن في {وَلِىُّ} أو في {مُسْتَكْبِراً}، والثانية بدل منها أو حال من المستكن في {لَّمْ يَسْمَعْهَا} ويجوز أن يكونا استئنافين، وقرأ نافع {فِى أُذُنَيْهِ}. {فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أعلمه بأن العذاب يحيق به لا محالة وذكر البشارة على التهكم.
{إِنَّ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ جنات النعيم} أي لهم نعيم الجنات فعكس للمبالغة.
{خالدين فِيهَا} حال من الضمير في {لَهُمْ} أو من {جنات النعيم} والعامل ما تعلق به اللام. {وَعْدَ الله حَقّا} مصدران مؤكدان الأول لنفسه والثاني لغيره لأن قوله: {لَهُمْ جنات} وعد وليس كل وعد حقاً. {وَهُوَ العزيز}. الذي لا يغلبه شيء فيمنعه عن إنجاز وعده ووعيده.
{الحكيم} الذي لا يفعل إلا ما تستدعيه حكمته.
{خَلقَ السموات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قد سبق في (الرعد). {وألقى فِى الأرض رَوَاسِىَ} جبالاً شوامخ. {أَن تَمِيدَ بِكُمْ} كراهة أن تميد بكم، فإن تشابه أجزائها يقتضي تبدل أحيازها وأوضاعها لامتناع اختصاص كل منها لذاته أو لشيء من لوازمه بحيز ووضع معينين. {وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} من كل صنف كثير المنفعة وكأنه استدل بذلك على عزته التي هي كمال القدرة، وحكمته التي هي كمال العلم، ومهد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله: {هذا خَلْقُ الله فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ} هذا الذي ذكر مخلوقه فماذا خلق آلهتكم حتى استحقوا مشاركته، و{مَاذَا} نصب ب {خلقَ} أو ما مرتفع بالابتداء وخبره ذا بصلته {فَأَرُونِى} معلق عنه. {بَلِ الظالمون فِى ضلال مُّبِينٍ} إضراب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على ناظر، ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أنهم ظالمون بإشراكهم.


{وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَانَ الحكمة} يعني لقمان بن باعوراء من أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته، وعاش حتى أدرك داود عليه الصلاة والسلام وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه، والجمهور على أنه كان حكيماً ولم يكن نبياً. والحكمة في عرف العلماء: استكمال النفس الإِنسانية باقتباس العلوم النظرية، واكتساب الملكة التامة على الأفعال الفاضلة على قدر طاقتها. ومن حكمته أنه صحب داود شهوراً وكان يسرد الدرع فلم يسأله عنها فلما أتمها لبسها وقال: نعم لبوس الحرب أنت فقال: الصمت حكم وقليل فاعله، وأن داود عليه السلام قال له يوماً كيف أصبحت فقال أصبحت في يدي غيري، فتفكر داود فيه فصعق صعقة. وأنه أمره بأن يذبح شاة ويأتي بأطيب مضغتين منها فأتى باللسان والقلب، ثم بعد أيام أمره بأن يأتي بأخبث مضغتين منها فأتى بهما أيضاً فسأله عن ذلك فقال: هما أطيب شيء إذا طابا وأخبث شيء إذا خبثا. {أَنِ اشكر للَّهِ} لأن أشكر أو أي أشكر فإن إيتاء الحكمة في معنى القول. {وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأن نفعه عائد إليها وهو دوام النعمة واستحقاق مزيدها. {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ} لا يحتاج إلى الشكر. {حَمِيدٌ} حقيق بالحمد وإن لم يحمد، أو محمود ينطق بحمده جميع مخلوقاته بلسان الحال.
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ} أنعم أو أشكم أو ما ثان. {وَهُوَ يَعِظُهُ يابنى} تصغير إشفاق، وقرأ ابن كثير هنا وفي {يابنى أَقِمِ الصلاة} بإسكان الياء، وحفص فيهما وفي {يابنى إِنَّهَا إِن تَكُ} بفتح الياء ومثله البزي في الأخير وقرأ الباقون في الثلاثة بكسر الياء. {لاَ تُشْرِكْ بالله} قيل كان كافراً فلم يزل به حتى أسلم، ومن وقف على {لاَ تُشْرِكْ} جعل بالله قسماً. {إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لأنه تسوية بين من لا نعمة إلا منه ومن لا نعمة منه.
{وَوَصَّيْنَا الإنسان بوالديه حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً} ذات وهن أو تهن وهنا {على وَهْنٍ} أي تضعف ضعفاً فوق ضعف فإنها لا تزال يتضاعف ضعفها والجملة في موضع الحال، وقرئ بالتحريك يقال وهن يهن وهنا ووهن يوهن وهنا. {وَفِصَالُهُ فِى عَامَيْنِ} وفطامه في انقضاء عامين وكانت ترضعه في تلك المدة، وقرئ: {وفصله في عامين} وفيه دليل على أن أقصى مدة الرضاع حولان. {أَنِ اشكر لِى ولوالديك} تفسير ل {وَصَّيْنَا} أو علة له أو بدل من والديه بدل الاشتمال، وذكر الحمل والفصال في البين اعتراض مؤكد للتوصية في حقها خصوصاً ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام لمن قال: مَنْ أُبِرّ؟: «أمك ثم أمك ثم أمك» ثم قال بعد ذلك: «أباك».
{إِلَىَّ المصير} فأحاسبك على شكرك وكفرك.
{وَإِن جاهداك على أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} باستحقاقه الإِشراك تقليداً لهما، وقيل أراد بنفي العلم به نفيه. {فَلاَ تُطِعْهُمَا} في ذلك. {وصاحبهما فِى الدنيا مَعْرُوفاً} صحاباً معروفاً يرتضيه الشرع ويقتضيه الكرم. {واتبع} في الدين {سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ} بالتوحيد والإِخلاص في الطاعة. {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} مرجعك ومرجعهما. {فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} بأن أجازيك على إيمانك وأجازيهما على كفرهما، والآيتان معترضتان في تضاعيف وصية لقمان تأكيداً لما فيها من النهي عن الشرك كأنه قال: وقد وصينا بمثل ما وصى به، وذكر الوالدين للمبالغة في ذلك فإنهما مع أنهما تلو الباري في استحقاق التعظيم والطاعة لا يجوز أن يستحقاه في الإِشراك فما ظنك بغيرهما، روي نزولهما في سعد بن أبي وقاص وأمه مكثت لإسلامه ثلاثاً لم تطعم فيها شيئاً، ولذلك قيل من أناب إليه أبو بكر رضي الله عنه فإنه أسلم بدعوته.
{يابنى إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ} أي أن الخصلة من الإِحسان أو الإِساءة إن تك مثلاً في الصغر كحبة الخردل. ورفع نافع {مِثْقَالَ} على أن الهاء ضمير القصة وكان تامة وتأنيثها لإِضافة المثقال إلى الحبة كقول الشاعر:
كما شرقت صدر القناة من الدم ***
أو لأن المراد به الحسنة أو السيئة. {فَتَكُنْ فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السموات أَوْ فِى الأرض} في أخفى مكان وأحرزه كجوف صخرة أو أعلاه كمحدب السموات أو أسفله كمقعر الأرض. وقرئ بكسر الكاف من وكن الطائر إذا استقر في وكنته. {يَأْتِ بِهَا الله} يحضرها فيحاسب عليها. {إِنَّ الله لَطِيفٌ} يصل علمه إلى كل خفي. {خَبِيرٌ} عالم بكنهه.
{يابنى أَقِمِ الصلاة} تكميلاً لنفسك. {وَأْمُرْ بالمعروف وانه عَنِ المنكر} تكِميلاً لغيرك. {واصبر على مَا أَصَابَكَ} من الشدائد سيما في ذلك. {إِنَّ ذلك} إشارة إلى الصبر أو إلى كل ما أمر به. {مِنْ عَزْمِ الأمور} مما عزمه الله من الأمور أي قطعه قطع إيجاب مصدر أطلق للمفعول، ويجوز أن يكون بمعنى الفاعل من قوله: {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} أي جد.
{وَلاَ تُصَعّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} لا تمله عنهم ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعله المتكبرون من الصعر وهو داء يعتري البعير فيلوي عنقه. وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي {وَلاَ تصاعر}، وقرئ: {وَلاَ تُصَعّرْ} والكل واحد مثل علاه وأعلاه وعالاه. {وَلاَ تَمْشِ فِى الأرض مَرَحًا} أي فرحاً مصدر وقع موقع الحال أي تمرح مرحاً أو لأجل المرح وهو البطر. {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} علة للنهي وتأخير ال {فَخُورٌ} وهو مقابل للمصعر خده والمختال للماشي مرحاً لتوافق رؤوس الآي.
{واقصد فِى مَشْيِكَ} توسط فيه بين الدبيب والإِسراع. وعنه عليه الصلاة والسلام: «سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن»، وقول عائشة في عمر رضي الله عنهما كان إذا مشى أسرع فالمراد ما فوق دبيب المتماوت، وقرئ بقطع الهمزة من أقصد الرامي إذا سدد سهمه نحو الرمية. {واغضض مِن صَوْتِكَ} وانقص منه واقصر. {إِنَّ أَنكَرَ الأصوات} أوحشها. {لَصَوْتُ الحمير} والحمار مثل في الذم سيما نهاقه ولذلك يكنى عنه فيقال طويل الأذنين، وفي تمثيل الصوت المرتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الإِستعارة مبالغة شديدة وتوحيد الصوت لأن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الآحاد أو لأنه مصدر في الأصل.


{أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السموات} بأن جعله أسباباً محصلة لمنافعكم. {وَمَا فِى الأرض} بأن مكنكم من الإِنتفاع به بوسط أو غير وسط {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهرة وَبَاطِنَةً} محسوسة ومعقولة ما تعرفونه وما لا تعرفونه وقد مر شرح النعمة وتفصيلها في الفاتحة، وقرئ: {وأصبغ} بالإبدال وهو جار في كل سين اجتمع من الغين أو الخاء أو القاف كصلخ وصقر، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص {نِعَمَهُ} بالجمع والإِضافة. {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله} في توحيده وصفاته. {بِغَيْرِ عِلْمٍ} مستفاد من دليل. {وَلاَ هُدًى} راجع إلى رسول. {وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ} أنزله الله بل بالتقليد كما قال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} وهو منع صريح من التقليد في الأصول. {أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ} يحتمل أن يكون الضمير {لَهُمْ} ولآبائهم. {إلى عَذَابِ السعير} إلى ما يؤول إليه من التقليد أو الإِشراك وجواب محذوف مثل لاتبعوه، والإِستفهام للإنكار والتعجب.
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله} بأن فوض أمره إليه وأقبل بشراشره عليه من أسلمت المتاع إلى الزبون، ويؤيده القراءة بالتشديد وحيث عدى باللام فلتضمن معنى الإخلاص. {وَهُوَ مُحْسِنٌ} في عمله. {فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} تعلق بأوثق ما يتعلق به، وهو تمثيل للمتوكل المشتغل بالطاعة بمن أراد أن يترقى إلى شاهق جبل فتمسك بأوثق عرى الحبل المتدلي منه. {وإلى الله عاقبة الأمور} إذ الكل صائر إليه.
{وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} فإنه لا يضرك في الدنيا والآخرة، وقرئ: {فَلاَ يَحْزُنكَ} من أحزن وليس بمستفيض. {إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} في الدارين. {فَنُنَبّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ} بالإِهلاك والتعذيب. {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} فمجازٍ عليه فضلاً عما في الظاهر.
{نُمَتّعُهُمْ قَلِيلاً} تمتيعاً أو زماناً قليلاً فإن ما يزول بالنسبة إلى ما يدوم قليل. {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} يثقل عليهم ثقل الأجرام الغلاظ أو يضم إلى الإِحراق الضغط.
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلى غيره بحيث اضطروا إلى إذاعته. {قُلِ الحمد لِلَّهِ} على إلزامهم والجائهم إلى الإِعتراف بما يوجب بطلان معتقدهم. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن ذلك يلزمهم.
{للَّهِ مَا فِى السموات والأرض} لا يستحق العبادة فيهما غيره {إِنَّ الله هُوَ الغنى} عن حمد الحامدين. {الحميد} المستحق للحمد وإن لم يحمد.
{وَلَوْ أَنَّ مَّا فِى الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ} ولو ثبت كون الأشجار أقلاماً، وتوحيد {شَجَرَةٍ} لأن المراد تفصيل الآحاد. {والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} والبحر المحيط بسعته مداداً ممدوداً بسبعة أبحر، فأغنى عن ذكر المداد بمده لأنه من مد الدواة وأمدها، ورفعه للعطف على محل أن ومعموليها وبمده حال أو للابتداء على أنه مستأنف أو الواو للحال، ونصبه البصريان بالعطف على اسم {أَن} أو إضمار فعل يفسره {يَمُدُّهُ}، وقرئ: {تمده} {ويمده} بالياء والتاء.
{مَّا نَفِدَتْ كلمات الله} بكتبها بتلك الأقلام بذلك المداد وإيثار جمع القلة للإشعار بأن ذلك لا يفي بالقليل فكيف بالكثير. {أَنَّ الله عَزِيزٌ} لا يعجزه شيء. {حَكِيمٌ} لا يخرج عن علمه وحكمته أمر، والآية جواب لليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمروا وفد قريش أن يسألوه عن قوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً} وقد أنزل التوراة وفيها علم كل شيء.
{مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} إلا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن لأنه يكفي لوجود الكل تعلق إرادته الواجبة مع قدرته الذاتية كما قال: {إِنَّمَا أَمْرُنَا لِشَئ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} {إِنَّ الله سَمِيعٌ} يسمع كل مسموع {بَصِيرٌ} يبصر كل مبصر لا يشغله إدراك بعضها عن بعض فكذلك الحق.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُولِجُ اليل فِى النهار وَيُولِجُ النهار فِى اليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى} كل من النيرين يجري في فلكه. {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى منتهى معلوم الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر. وقيل إلى يوم القيامة والفرق بينه وبين قوله: {لأَجَلٍ مُّسَمًّى} أن ال {أَجَلٌ} هاهنا منتهى الجري وثمة غرضه حقيقة أو مجازاً وكلا المعنيين حاصل في الغايات. {وَأَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} عالم بكنهه.
{ذلك} إشارة إلى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري بها. {بِأَنَّ الله هُوَ الحق} بسبب أنه الثابت في ذاته الواجب من جميع جهاته، أو الثابت إلهيته. {وَأَنَّ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطل} المعدوم في حد ذاته لأنه لا يوجد ولا يتصف إلا بجعله أو الباطل إلهيته، وقرأ البصريان والكوفيون غير أبي بكر بالياء. {وَأَنَّ الله هُوَ العلى الكبير} مترفع على كل شيء ومتسلط عليه.

1 | 2